حتى وقعت على رأسي بعنف!!.. ماالذي جرى!!..

حتى وقعت على رأسي بعنف!!.. ماالذي جرى!!..
________________________________________

هناك أشياء أحبها البشر..

عشقوها..

هامت في نفوسهم..

وبكوها بحرقةٍ حين غادرتهم وتركتهم..

والأشياء حين تغادرنا؛ تفقد روعتها حين تعود..

قالت:

كانت أقرب الناس لقلبي..

صديقتي..

لكننا افترقنا إلى أجلٍ غير معلوم..

وقد لا يُكتب لنا لقاء..

وبكت...

قال:

كان صديقي،..

وجاري..

وأخي..

وكل شيءٍ حولي..

عشت معه أيامي كلها منذ الطفولة..

وخطفه الموت من بيننا؟!..

لا أعذار..

ولا سابق إنذار...

وبكى..

قالت:

عشقتها..

بل طار قلبي فرحاً ورقص نشوةً حين كنت في هذه الدورة

التدريبية..

كنت من المتطوعات لتنظيمها..

وبكيت حين انقضت آخر لحظة...

قال:

كانت أيامي في تلك البلدة أروع..



أجمل..


أحببتها كوطنٍ دائم..

ولطالما عشت فيها كأحد أبنائها..

كان كل شيء رائعاً..

الأصدقاء..

الجيران..

ثم أتى أمر النقل المفاجئ..

ومنذ أن تركت تلك البلاد..

ولست أشعر بحالٍ أفضل، ولا مثل الذي كنت عليه..

كأن نفسي سُرقت مني..

قالت:

كانت مرآتي التي أحبها..

ولا أرى نفسي جميلةً إلاّ فيها..

ولطالما أحببت بقاءها ثمانية أعوامٍ على حائط غرفتي..

حتى انتقلنا من المنزل..

وفوجئت أن كل ما كان في غرفتي الرائعة..

غير موجود..

ورضيت بكل شيء كنوع من التغيير..

لكن مرآتي..

لا..

لا يمكن أن أرضى بغيرها..

واستحال أمر استرجاعها..

فحزنت حزناً شديداً على تلك المرآة..

قال:

أحببتها..

نعم..

أحببتها بصدق العاطفة ودفء الشعور..

زوجتي..

كانت ملاكي..

كانت سندي وسمائي التي تحميني وتشحذ من قواي إذا اشتدت وضاقت

بي الدنيا..

واليوم؛..

تتلفت العين فلا تراها..

تركت أبنائي الثلاثة..

وتركتني..

لا آوي إلى غير حضنها..

ولا أجد مع غيرها سلواي وأنسي..

بكيتها حتى خارت كل قواي..

وغابت الفرحة من حياتي حين غابت..

وتقاطرت من عينيه الدموع بصمت..

قالت:

أحببته رغم تعسف الظروف..

كان خطيبي لعامين..

كان كل شيء بالنسبة لي..

كالأخ..

كالأب..

كالحبيب..

وكنت أقول: يكفيني هو من العالم كله..

وتصادمت الأمور والأحداث بين عائلتي وعائلته..

فأبعدونا..

وأجبروه على الطلاق..

ومضى..

ومضيت..

لا هو إلى قرار..

ولا نفسي إلى استقرار..

واستحالت عودته حين علمت بخطوبته..

بكيت حتى اليأس..

كرهت كل شيء..

الحياة..

الأهل..

الأصدقاء..

حتى نفسي..

قال:

كانت أيام الدراسة الجامعية في سكن الطلاب..

أروع أيام حياتي..

وحين تخرجت..


كدت أمزق شهادة التخرج..

تفرقنا أنا وأصدقائي جميعاً..

فكلٌ من ارض..

وعدت إلى الوطن..

استغربت الوجوه..

حاولت أن أعود من حيث أتيت..

ولست أدري كيف لي ذلك؟!!..

لا شيء يملأ حياتي عدا الفراغ القاتل..

وأفتقد أروع صداقة جمعتنا أنا وأصدقائي السبعة..

ووسائل الاتصال لا تُغني..

لا تُغني أبداً..

ثم بكى..

وأنا أقول:

لم أعش حياةً فيها كل شيء.. لكني كنت كل شيء في

حياتي..

وعشت أيامي كما أشتهي..

الأصدقاء..

الأيام..

الأقارب..

السفر..

النزهات..

أيام الدراسة..

غرفتي..

أيام الخطوبة..

ومضى عمراً في هذه الحياة المتقلبة الغامضة..

وفجأة؛..

اختفى كل شيء بلا عودة..

اختفى كل شيء مرة واحدة..

كان لديّ كل ما كان لديها.. وكل ما كان لديه..

ولكنه اختفى دفعة واحدة..

وتغيّر الوقت..

وتغيّر المكان..

وتغيّر الناس كلهم..

حتى القانون.. والعملات..

كل شيء تغيّر...

واختفى كل الذي كان..

وبكيت كل شيء على حدة..

بكيت كل شيء بمرارة وألم..

وعشت أتساءل بحنق:

لماذا غادرتني الأشياء الجميلة والأشياء والأصدقاء الرائعون؟!..

وفجأة؛..

وقعت على رأسي بعنف..

(كان هذا حدثًا حقيقيًا)..

وقعت ذات يوم على رأسي بعنف..

وضغط ثقل جسمي كله على رأسي وعنقي بغضب..

كنت أقفز في الماء..

ولشدة ألم تلك الوقعة..

شعرت بالموت..

أو فقدان الذاكرة..


وإن هانت؛ شلل لكامل جسدي يصاحبني لباقي أيامي..

ولكن الله سلّم..

أخرجوني ووجهي كله مغطى بالدماء، وملابس السباحة كلها مبللة

بدمائي..

وكنت قبل حادثتي هذه أقول:

لا بد من صفعةٍ قوية على وجهي تهبني فواق من ما أنا فيه وما أعانيه..

لكنها لم تكن صفعة فحسب..

بل كانت أعظم من كل ما يمكن أن يحدث للمرء..

ومرّت هذه الحادثة على خير..

ولم يصبني مما ذكرت مكروه..

لكنها؛..

غيرّت فيني كل شيء..

صارت تمضي الأيام، ولا بد أن أنجز شيئاً..

ويتغيّر المكان، فلا يهم سوى إن غادرته أن أترك فيه أثراً خالداً..

هجرت كل عاداتي التعيسة..

وبدأت عمراً آخر..

شعرت كم هي حياتي ثمينة..

فلكم أحببت الكثير من الأشياء، وتعلقت بها..

ولكم أحببت الكثير من الأشخاص، وتعلقت بهم..

والكثير من الأماكن، وغادرتها بصعوبة..

كنت أتعلق كثيراً بأشياء من المحال أن تدوم..

وأنسى الأشياء التي يجب أن تدوم..

أنسى الأشياء المهمة التي لا تعوّض ولا تقدر بثمن..

أنسى عقلي وحياتي وصحتي..

هذه الثلاثة..

هي أهم من كل غالٍ وحبيب..

فدوامها دوامنا..

وغيابها؛ يعني فناؤنا..

أما الأشخاص والأشياء والأماكن؛..

فهي وإن عشقناها وتعلقنا بها..


فإن غيابها لا يعيق بقاءنا..

إن رحل الأحباب؛ فكلنا إلى الزوال..

والملتقى الموعود في جنة الفردوس..

وإن غادرتنا الأشياء؛ فهذه نعمةٌ من الله لعقولنا..

فزحام الأماكن يصيبنا بالصداع..

وإن بقينا على الذكريات؛ فإننا سنفقد القدرة على السيطرة على

أنفسنا..

قال الحبيب المصطفى :

وإن لنفسك عليك حق

وإن غادرنا الأماكن؛ فلا يعني أن البشر تختفي..

إننا نعنى بأصل الروح الواحدة التي منها كل البشر..

قال الله :

 خلقكم من نفسٍ واحدة 

ففي كل مكان لنا أحباب، ولنا قصص نحكيها..

نعيش الضحكات..

نألم للأنّات..

ومن حولنا ضجيج البشر يمزق وحشتنا..

الحياة موقوفة علينا..

وليست على أغلى الناس؛ أو أحب الأشياء..

فلنجعلهم هم من يلتفتون إلينا..

ولنكن مثل المتنبي حين قال:

الخيل والليل والبيداء تعرفني..

والسيف والرمح والقرطاس والقلم..

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي..

وأسمعت صيحاتي من به صمم..

وما ضاع من لقى ربه..

لأنه سيلقى نفسه..

نفع الله بكل هذا؛ كل من في قلبه ذرةٌ من خير..

وهو الهادي إلى سواء السبيل..

لا تنسوني من صالح دعائكم..